السؤال:
ما هو البرهان من القرآن والسنّة الصحيحين على جواز المتعة ؟
الجواب:
لاشكّ ولا ريب في تشريع متعة النساء ـ الزواج المؤقت ـ في الإسلام ، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وإنّما الخلاف بين المسلمين في نسخها أو عدمه ؟ فذهب أهل السنّة إلى أنّها منسوخة ، واستدلوا لذلك بعدّة روايات متعارضة فيما بينها ، بينما ذهبت الشيعة إلى بقاء هذا التشريع المقدّس وعدم نسخه لا من القرآن ولا السنّة .
وقبل التطرّق إلى الأدلّة نودّ القول : أنّ زواج المتعة ما هو إلاّ قضية فقهية ثابتة عند قوم ، وغير ثابتة عند آخرين ـ كسائر القضايا والأحكام الفقهية الأُخرى التي يمكن الاختلاف فيها ـ فليس من الصحيح التشنيع والتشهير بالشيعة وجعل زواج المتعة أداة لذلك ، فإنّ هذه الأساليب غير العلمية تكون سبباً للفرقة بين المسلمين ، في الوقت الذي تتركّز حاجتنا إلى لمّ الشعث ورأب الصدع .
وأمّا ما دلّ على مشروعيتها في القرآن الكريم قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً … ) (1) ، فقد روي عن جماعة ـ من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه ـ التصريحُ بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، منهم : عبد الله بن عباس ، وأُبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة (2) .
وما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة :
أخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (3) .
مضافاً إلى ذلك الإجماع المنقول ، نصّ على ذلك القرطبي حيث قال : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ، ثمّ نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكامه (4) .
وكذا الطبري ، فقد نقل عن السدّي : هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى (5) .
وعن ابن عبد البرّ في التمهيد : وأجمعوا أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه ولا ولي ، وإنّه نكاح إلى أجلٍ ، تقع فيه الفرقة بلا طلاق ، ولا ميراث بينهما (6) .
وما زالت متعة النساء سارية المفعول مباحة للمسلمين زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وزمن أبي بكر ، وشطراً من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال : مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما ، وقد أورد مقالته هذه جمهرة من الكتّاب والحفّاظ في كتبهم (7) .
فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الإسلام ، ومات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي بعد مشرّعة غير محرّمة ، حتّى حرّمها عمر في أيّام خلافته .
ــــــــــــــ
(1) النساء : 24 .
(2) أُنظر : صحيح البخاري 6 / 129 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن : 61 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 184 ، نواسخ القرآن : 124 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، فتح القدير 1 / 449 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 205 ، المغني لابن قدامة 7 / 571 ، سير أعلام النبلاء 13 / 108 .
(3) المائدة : 87 ، وأُنظر : مسند أحمد 1 / 432 ، صحيح البخاري 6 / 119 ، صحيح مسلم 4 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 79 و 200 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 271 و 391 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 337 ، مسند أبي يعلى 9 / 260 ، صحيح ابن حبّان 9 / 449 .
(4) الجامع لأحكام القرآن 5 / 132 .
(5) جامع البيان 5 / 18 .
(6) التمهيد 10 / 116 .(7) أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، الاستذكار 4 / 65 و 5 / 505 ، التمهيد 8 / 355 و 10 / 113 و 23 / 357 و 365 ، المحلّى 7 / 107 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 354 و 3 / 312 ، التفسير الكبير 4 / 42 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، الدرّ المنثور 2 / 141 .